سلسله الأقدار بقلم نورهان
المحتويات
أفرغت الفتاتان ما بجوفهما من مشاعر و كانت أول المنسحبين فرح التي كانت تحني رأسها بتعب فامتدت يد جنة تحت ذقنها ترفع رأسها إليها و هي تقول بنبرة بها الكثير من الاعتذار و الندم
والنبي ما توطي راسك كدا أبدا انا معملتش حاجه في الحړام حازم جوزي
لوهله لمع بريق الأمل بعيناها ما أن سمعت حديث شقيقتها فخرجت الكلمات مرتجفه من بين شفتيها و هي تقول بترقب
جوزك
أهتزت نظرات جنه للحظه قبل أن تقول بتوتر
آه جوزي إحنا أتجوزنا عرفي بس الورقتين معايا في البيت و هو بيحبني اوي وعمره ما هيتخلي عني انا واثقه من دا والله هو طلب مني نعمل كدا عشان نضغط عليكي و علي أهله عشان توافقوا علي جوازنا و لو مش مصدقاني هخليه يقولك كدا بنفسه
كانت كالغريق الذي وجد زورق النجاة بعد إنقلاب سفينته في بحر هائج و الذي إتضح بعد ذلك بأنه زورق مثقوب قابل للغرق في أي لحظه هذا كان حالها عندما سمعت جملتها عن ذلك الزواج العرفي الذي لن يعترف به أحد خاصة بعد ۏفاة حازم فانطفئ شعاع الامل من عيناها و شعرت بالشفقه علي حالها ما أن تعلم بما حدث و نظرا لعذاب شقيقتها الظاهر جليا علي محياها و إصابتها العضويه و النفسيه آثرت تأجيل الحديث لحين أن تستعيد صحتها و كذلك لتستطيع التفكير هي بهدوء في تلك الكارثه التي بدت و كأنها حلقة مغلقه لا مخرج منها ابدا
هكذا خرج صوتها جافا به بحه بكاء مكتوم لم يعد وقته الآن فحاولت جنة الحديث لتوقفها كلماتها الصارمه حين قالت
قولتلك نامي دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم
أبتلعت حروفها و هي تنظر إلي شقيقتها التي كان ثوب القسۏة جديد كليا عليها و قد آلمها ذلك كثيرا و لكنها داخليا تعترف
بأنها تستحق أسوء من ذلك و بأن المۏت هو الجزاء الذي تستحقه علي جرم أقحمها به غبائها و إنسياقها خلف قلبها
كانت ليله طويله علي الجميع لم ينم بها أحد سوي جنة التي أعطاها الطبيب مهدئا حتي يحميها من ذلك الألم الكبير في ذراعها المكسور و تلك الكدمات التي إنتشرت في أماكن متفرقة في جسدها و لكنه لم يستطع حمايه روحها المعذبه و لا قلبها المكدوم و قد تمكنت منها الكوابيس التي أيقظتها مرات كثيرة و هي تنتفض صاړخه لتتلقفها يد
أخيرا بزغ نور الصباح ليعلن عن بدأ يوم جديد محملا بأوجاع الأمس التي سيكون الشفاء منها أمرا مستحيلا و قد تترك ندوب ستستمر معهم طوال حياتهم
وضعت فرح يدها علي عيناها التي لم تستطع التأقلم بعد علي نور الصباح الذي دخل من النافذة فنهضت بتعب من مقعدها و دلفت إلي المرحاض تغسل وجهها و خرجت لتجد الممرضه و الطبيب الذي كان يعاين شقيقتها و أمر الممرضه بإعطاءها أدويتها فبادرته فرح بالحديث بصوت مبحوح
الطبيب بعمليه
زي ما قولتلك حالتها مش خطړ و مع الانتظام علي الأدويه أن شاء الله هتبقي أحسن بس طبعا مش هينفع تروح قبل ما نطمن عليها
فرح بهدوء
يعني قدامنا قد إيه كدا
لاح بعض التوتر علي ملامح وجهه و لكنه سرعان ما أختفي و قال بعمليه
ممكن أسبوع مش اكتر أن شاء الله
ثم تابع بإشفاق لامسته من بين كلماته
أنتي إلي
واضح عليكي الإرهاق أوي ودا غلط
لاحت إبتسامه ساخرة علي شفتيها قبل أن تقول بصوت لا حياة به
مش هتفرق كتير يا دكتور المهم هي تقوم بالسلامه
الطبيب بإشفاق
هكتبلك علي شويه مقويات عشان مينفعش أنتي كمان تقعي أنا عرفت منها أنك عيلتها الوحيدة و لازم تكوني جمبها خصوصا في الوقت دا
لم تجادله فرح التي كانت في تلك اللحظه نفذت كل قواها فأخذت منه الورقه بصمت و ما أن أوشك علي المغادرة حتي قالت بلهفه
دكتور معلش ممكن تخلي حد من الممرضات يفضل جمبها ساعه بس أروح البيت أجيب هدوم ليا وليها و شويه حاجات كدا زي ما حضرتك شفت انا جيت جري و معناش أي حاجه هنا
الطبيب بتفهم
مفيش مشكله أنا هعين ممرضه مخصوص تفضل جمبها لحد ما تروحي و ترجعي
كان إهتماما مبالغ فيه و لكنها في وضع لا يسمح لها بالسؤال و لا حتي بالتفكير لذا هزت رأسها و تمتمت بعض عبارات الشكر قبل أن تشرع في تجهيز نفسها للمغادرة
تلك اللحظه حين تضع قبله أخيرة فوق جبين مېت كان يعني لك الحياة و أكثر حين تشعر برجفه قويه ټضرب أنحاء جسدك ما أن تلامس برودة و سكون ذلك الكف الذي لاطالما كان يعج بالدفء و الحياة نظرتك الأخيرة حين تشاهد جزءا كبيرا من روحك ينشق عنك ليتواري معه تحت الثري تلك اللحظات لا تنسي ابدا بل تظل عالقه في ذاكرة القلب و كأنها نحتت من رحم الڼار التي تبقي مشتعله إلي أن يحين اللقاء بهم في العالم الآخر
اللهم إنا نعوذ بك من فواجع الأقدار و فقد الأهل و الاحبه
نورهان العشري
كان في طريقه للمشفي لإستلام جثمان أخيه حتي يتم دفنه ليذهب إلي مثواه الأخير و كم كان ذلك الأمر شاق علي قلبه الذي للآن لم يستوعب تلك المصېبه التي حلت بهم لم يدرك ماذا يحدث حوله أصوات النحيب و البكاء تحيط به في كل مكان النساء متشحات بالسواد الرجال ملامحهم جامده مكفهرة أعينهم تمتلئ بالقطرات التي تأبى الهطول حزن عميق يسيطر علي الهواء حولهم لأول مرة لا يسمع زقزقة العصافير عند الصباح حتي أن الشمس مختبئه خلف السحاب تأبي الظهور السماء
ترعد و المطر ينهمر بغزارة و كأن الطبيعه تشاطرهم حزنهم الغائر و مصابهم الكبير
ما أن أوقف سيارته أمام باب المشفي حتي وجد سيارة سليم التي كان جانبها الأيمن مهشم و كأن جدارا سقط فوقها أو أن أحدهم كان يحاول إنهاء ألمه و شحنات غضبه في قطعه جماد لا ذنب لها
ترجل سليم الوزان من السيارة الخاصه به و قد كانت بعض قطرات الډماء تنساب فوق جبهته و يبدو أن هناك چرحا غائر لا يأبه له صاحبه الذي كان يحمل بقلبه چرحا أكبر مما يستطيع تحمله
أقترب منه سالم و عيناه تحمل من القلق ما تعجز الشفاه عن التعبير عنه و قد إمتدت يداه لملامسه الډماء المنسابه من جبهه أخاه و هو يقول بخشونه
حصل ايه
تراجع سليم خطوة للخلف و هو يقول بلهجه جافه
متقلقش حاډثه بسيطه
ضيق سالم عيناه
متابعة القراءة