إرث العادات ډفنا عمر

موقع أيام نيوز


ماما وحشتيني قريب هخلص شغلي واجي. 
طب لعلمك أخر مرة تشتغل في محافظة تانية حتي لو هتاخد مال قارون..انت فاهم
لم ترى ابتسامته الشاحبة وهو يمازحها للدرجة دي بتحبيني يا ديجا ومش قادرة على بعدي
صمتت وضيق خفي يجتاحها لا تعرف له سببا ربما حلم الأمس أزعجها..وربما دون ذلك.. لا تدري. 

 راضية عني يا أمي
قاطع سؤاله صمتها ليشعل المزيد من نيران الخۏف بقلبها ونبرته بدت غريبة عليها. 
 ما انت عارف يا ابني.. انت عين من عيوني واخوك عيني التانية.. راضية عنك وعنو ليوم الدين..
وصلها تنهيدته قبل أن يعود لمزاحه طب تحبي اجيبلك ايه معايا يا ديجا وانا جاي 
 تعالى بالسلامة.. هو ده اللي انا عايزاه.. 
 حاضر يا ماما قريب جدا.
وصمت برهة. قبل أن يعاود غمغمته ماما ولادي اشقية اوي ومحدش بيتحمل شقاوتهم حتى حور نفسها بتتعب منهم تصوري رجعت يوم من شغلي لقيتها بټعيط بسببهم 
وصمت مجددا ليستأنف خدي بالك عليهم واوعي يغيبو عن عينك ابدا.. حور كمان خدي بالك عليها مراتي زيهم طفلة بس طيبة..أنا عارف ان انتي وتيمور مش هتقصروا ابدا في غيابي.
لم تعد تتحمل تلك النبرة ومخاوفها تتفحل داخلها وټخنقها لتصيح بحدة جري ايه يا ابني بتتكلم كده ليه..هو أنا ناقصة قلق.. ثم صاحت بلهجة طغى عليها الكثير من القوة ابراهيم.. ارجع وسيب الشغلانة دي وانا هديك اللي كنت هتاخده منها مالكش دعوة.
 ارجع فين يا ماما مستحيل اقدر امشي من غير ما اكمل شغلي وبعدين انا بكلمك عادي.. بوصيكي علي ولادي لحد ما ارجع فيها ايه دي.
 فيها اني قلقانة يا ابني..وكلامك خوفني اكتر.
مازحها لتهدأ قولي بقى ان كل اللي همك الرمان اللي كنت بجيبهولك يا ديجا.
قالتها بعاطفة حقيقية أيوة يا ابني..أنا وحشني طعم الرمان من ايدك يا ابراهيم..ارجع عشان تفصصه وتأكلني بإيدك الشقيانة
سال الدفء من صوته حاضر يا ماما.. والله قريب هرجع وهبات معاكي كمان يومين اشبع منك. 
 وعد ولا اما تشوف مراتك هتنساني. 
قهقهة بضحكة أثلجت صدرها هنرجع
للغيرة تاني.. وحياتك ما في بقلبي وعقلي غيرك يا ديجا.
واستأنف خاتما بقوله بعد أذنك يا ماما هروح انام عشان خلاص مش قادر وانا بصحي بدري.
 نوم الهنا يا ضنايا.. لا إله إلا الله. 
 محمد رسول الله.
أغلقت وقبضة الضيق تشتد فاستعاذت من الشيطان وذهب لتصلي وتدعو له.. له وحده. 

 أخيرا راجع يا هيما.
 أيوة يا تيمور اخيرا انجزت شغلي والحمد لله واخد مبلغ محترم يعوض غيابي المهم زي ما فهمتك متقولش لحور او ماما إني جاي بكره..عايز اعملهم هما والولاد مفاجأة..أنا جايبلهم حاجات حلوة اوي هيتجننوا عليها. 
قهقهة تيمور ماشي ياعم مش هقولها..المهم جبتلي اللي وصيتك ولا ظبطت مراتك وصيغتها ونسيت اخوك
ضحك بدوره صيغتها ايه بس ده حتة سلسلة صغيرة كانت طالباها مني وطبعا جبتلك اللي طلبته ولماما وشروق والولاد. 
 تعيش وتجيب يا اخويا..والله وحشتني قعدتك يا هيما كأنك غبت سنة.. ومش قادر اقولك ماما ازاي هتتجنن عليك. 
 وانت أكتر يا تيمور هانت واكون عندك وافضل معاك لحد ما تزهقك مني. 
 عادي لما ازهق هطردك واطلعك شقتك.. 
 بقا كده برضوماشي يا كبير.
هيما عشان خاطري خد بالك وانت سايق الموتوسيكل بالليل بلاش السرعة بتاعتك دي. 
 حاضر يا تيمور متقلقش لا إله إلا الله. 
 محمد رسول الله. 
بالساعات الأولى من الليل اخذ وضعه فوق دراجته البخارية بعد أن أسكن هداياه بالصندوق الخلفي وانطلق بطريقه ذاكرا الله ليؤنس رحلته صوب الوصول لعائلته التي اشتاق جميعها..اقترب من بيته بعد ان التهم أغلب المسافة والطريق رائق لتبرز أمامه بغتة سيارة معاكسة أطاحت بدراجته قبل أن ينفصل عنها طار جسده لمسافة ما سقط بعدها أرضا.
أسرع إليه سائق السيارة مائلا عليه بفزع 
 أنت كويس يا استاذ.. أنا أسف والله وعارف اني غلطان ومشيت عكس الطريق بس اتغريت في الطريق الفاضي..طمني الله يكرمك.. قوم معايا اوديك للمستشفى.. بس بالله عليك ماتبلغ عني انا عايز ارجع لعيالي.
اندفع السائق برجاءه الملعثم المتلاحق وهو يحاول استجداء إبراهيم والاطمئنان عليه لينتصب الأخير على قدميه قائلا بابتسامة تعجبها الرجل حصل خير بس خد بالك بعد كده بلاش تجازف وتمشي العكس.
التقط الرجل أنفاسه أخيرا وهو يراه بخير توبة يا استاذ والله بس تعالي معايا اوديك مستشفي واطمن عليك.
اعتلى أبراهيم دراجته بعد ارتداء خوذة رأسه وقال 
مفيش داعي.. أنا هروح بيتي ارتاح.. الحمد لله المسافة قريبة من هنا. 
وصل لأعتاب بنايته والدوار يكتنفه لكنه يقاوم سيكون بخير إن حظى ببعض النوم..تمهلت خطاه أمام باب شقة والدته وراح ينظر إليه بطريقة بدت غريبة كأنه يحفره بعقله ثم طرقه برفق لتبرز من الداخل وتجذبه بعناق وهي تهلل حمدا لعودته.
 الحمد لله يارب..والله كنت حاسة انك جاي الليلة عشان كده مانمتش.. ادخل يا نور عيني.
جلس قبالتها وغيامة تحتل عينه لكنه يقاومها بقوة وهو يهتف لها قلبك دليلك يا أمي.. أديني جيت اشوفك قبل ما اطلع شقتي. 
تشبثت بكفه برجاء أنا عارفة إنك مشتاق لعيالك ومراتك بس كمل الليلة معايا عايزة اشبع منك يا هيما.. انت متعرفش ازاي كنت خاېفة عليك وواحشني.
حاصرها بنظرة غريبة وغمغم سامحيني يا ماما مش هقدر لازم اشوف عيالي وحور.. أوعدك لو قدرت هبات معاكي بكره.. بس لو ماوفتش بوعدي سامحيني.
لا تعرف لما تلجم لسانها وشعرت بالعجز لقول شيء تريد مكوثه بشده دون تركه لكن كيف تمنعه عن صغاره.. تنهدت وهي تقول اخيرا اللي يريحك يا ابني خلاص اطلع لولادك ومراتك اشبع منهم وبكره بإذن الله تنزل تبات معايا.
أومأ لها ثم أخذها بعناق طويل ثم أعطاها هداياها ومن ثم صعد لشقته.
إبراهيم!!
هكذا صاحت حور قبل أن تندفع بقوة لتغوص بصدره وتحوط خصره بذراعيها ياااه.. وحشتني.. وحشتني اوي يا ابراهيم.. طول الوقت كان قلبي مقبوض معرفش السبب بس خلاص انت جيت بالسلامة
ابتسم وهو يتحسس وجهها بحنان ومازالت الغيامة تسيطر على رؤيته والدوار يزداد لكنه بعزيمة كبيرة يتماسك..
 تعالى شوف العيال و 
 شوفتهم عديت علي أوضتهم قبل ما اجيلك وحطيت جنبهم اللعب والحاجات الحلوة اللي جبتها ليهم.
ابتسمت بصفاء دول هيتبسطوا اوي اما يصحوا يشوفوها.. ثم تدللت عليه وأنا بقا جبتلي ايه ياهيما.
دس كفه بجيب بنطاله ليلتقط سلسال رفيع وطوق به عنقها ليهمس مش كنتي طالبة مني سلسلة قد الرقبة جبتهالك من هناك..
صاحت بفرح وهي تتوجه للمرآة الله يا ابراهيم تجنن وجميلة اوي خصوصا القلب الرقيق اللي جواها.. 
ثم عادت إليه ربنا مايحرمني منك ولا من دخلتك عليا أنا عيالك قادر يا كريم.
شملها بنظرة طويلة وهو يميل ليرتشف من نعيمها قبسا حتى أكتمل بينهما لقاء زوجي هاديء بدا لها مختلفا نغزة صدر أصابتها لكنها تغاضت.. ما الداعي للقلق وهو هنا بين يديها وبصمته الحلال مطبوعة فوق جسدها بعد طول غياب.. 
مازال الدوار يجتاح رأسه بشراسة لا يدري لما أخرج دفتره الورقي من درج الكومود جواره
وراح يخط كلمات بعد أن قرأها تعجب منها.. ما الذي يدفعه لذلك لا يدري.. حقا لا يدري.. طوي الورقة ووضعها تحت وسادته وقام ليغتسل ويصلي الفجر ثم عاد يرقد جوار زوجته بسلام وشفتيه تردد أذكاره دون كلل حتى ارتخت جفناه لتنسدل ويسقط بنومة يحتاجها كأنه لم ينم في حياته ساعة واحدة. 
انتعشت بعد أخذ حمام دافيء ووقفت أمام المرآة تصفف شعرها المبتل وهي تنظر بهيام إلي زوجها النائم متذكرة ليلتهما بالامس.
 هيما.. يلا كفاية نوم.. قوم خد حمام وصلي على ما احضرلكم احلى فطار وهنادي حماتي تفطر معانا.
هيما هو انت عديت علي والدتك قبل ما تطلعلي يعني هي عرفت انك جيت 
 ابراهيم قولي تحب تتغدا ايه انهاردة.. بص انا هظبطك وهطبخلك بط وحمام أكيد مشتاق لأكلي.. صحيح كنت بتاكل ازاي هناك كله جاهز طبعا.. لعلمك مفيش شغل في محافظة بعيد تاني اللي عايزك يجي لحد عندك.
توقفت عن تمشيط شعرها وهي تنظر في المرآة علي جسده الساكن.. لم يتململ مرة واحدة..صدره لا يتحرك بفعل شهيقه وزفيره..تجرعت ريقها ونادت عليه ومازالت تطالع انعكاس جسده ابراهيم مابتردش عليا ليه ابراهيم!
لأ لأ اوعي.. انت وعدتني.. وعدتني إنك.. إننا..
الكلمات متعلثمة وثقيلة كأنها جبال لا تتزحزح.. دموعها تسيل من عين ترفض ان تصدق.. تأبى أن تستوعب..هو لم يرحل.. لم يتركها.
لم يعد ليذيقها أخر ليلة بين ذراعيه ليرحل. 
كابوس. 
نعم هو كذلك
كابوس يعتقلها داخله. 
كل شيء تراه وتشعره الآن ليس حقيقيا.
بصوت مرتعش تهمس بالأذكار لعل عقلها يتحرر من كابوس نومتها..الغريب أنها لا تراه كابوسا. 
بل واقع يواجهها بقسۏة. 
تصلقت بأناملها كل إنش في وجهه كأنها
كأنها تودعه. 
تحركت يديها لتلمس أصابع قدمه الباردة. 
سقطت بعد أن فقدت كل قدرتها علي الوقوف.
وزعت النظرات الرائغة حولها ثم عتدت أليه لتبصره. 
وبدون مقدمات انطلق من حلقها سيلا من الصرخات التي لفظتها أخيرا من جوفها المحموم.. لا تشعر بلطمات خدها المؤلمة..أي ألم هذا يمكن أن يطغى على طعڼة القلب بنصل الفراق. .. فراق إبراهيم. 
أجفلها سقوط كاسة الحليب من يدها وتناثر الزجاج نظرت له پخوف كأن قلبها من تفتت..تستشعر بحدسها غيامة سوداء تلوح في الأفق أما عاد خليلها إبراهيم واطمأنت عليه بالأمس لما هذا الشيء المبهم يجثم على صدرها هكذا
أجاب تساؤلاتها الصامتة صړاخ وعويل متواصل بأسمه تعرفت صاحبته الصياح زوجته حور..تلك التي واجهت الفاجعة وحدها وهي تحاول إيقاظه.
جلست خديجة أرضا وعيناها تائهة ترفض فكرة أنها لن تراه ثانيا..
لن يطل عليها كما كان يفعل.. 
لن يطرق بابها محملا بالخير وابتسامته الدافئة تشع منه فتضاهي ضوء القمر في السماء. 
منذ اللحظة أنمحى بريق الألوان من عالمها. 
وما بقي لها غير ظلمة الأسود.
غافلها خليلها وسبقها وغادر دنياها.. كانت تظن دائما أن هو وأخيه من سينصبا لها سرادق العزاء.. لكنه خالف ظنها ورحل مبكرا.. مازال مذاق حبات الرمان المشبعة بحنانه بشفتيها..كأنه كان يذيقها بره وعطفه بسخاء في أيامه الأخيرة قبل أن يرحل عنها ليترك لها رصيد زاخرا من الذكرايات تتزود بها بأيامها الأصعب دونه.. أبنها البار وحبيبها الذي كانت تترقب خطواته علي الدرج قبل أن يطرق بابها كل ليلة..الآن تركها.. مهما استرقت السمع.. مهما انتظرت.. لن تسمع صوت خطواته العزيزة مجددا.. لقد ابتعد إبراهيم.. ابتعد كثيرا گ بعد السماء عن الأرض..
ويا ويلها من صباح لا يبدأ بمجيئه
بتقدير 
يا ويلها من مساء لا ينتهي بمزاحه وأحاديثه الشيقة. 
يا ويلها من أيام فقدت بهجتها بغياب ضحكاته. 
حرام عليها الفرح بعده حتى تلقاه. 
نوفيلاإرثالعادات
بقلم ډفنا عمر
الفصل الثالث

بيد مرتعشة وعين گ جمرة من فرط بكاءه راح يفض الورقة المطوية التي وجدها أسفل وسادة شقيقه الراحل..حدسه يخبره أن تلك الورقة تخصه هو وليس غيره..بدأت عيناه تتحرك فوق السطور ليتأكد حدسه أنها له
 

تم نسخ الرابط