رحله الآثام منال سالم
المحتويات
دوسة اعدلي طرف السجادة لأحسن مش قادرة أوطي.
حملقت فيها فردوس بغرابة وتعابيرها تعكس حيرة جلية وكأنها لا تفهم مقصدها فأشارت لها خالتها بعينيها نحو البقعة القريبة من زوجها لتظهر تأثيرها عليه كأنثى عند وجودها في محيطه. أكملت أفكار جملتها مزيدة في توضيحها
بدل ما حد يتكعبل فيها.
حاضر.
قالتها فردوس وهي تسير إلى النقطة المشار إليها من وجهة نظرها كان البساط مفرودا لا يحتاج لإعادة ترتيب ومع ذلك مالت بجسدها مدعية انشغالها بتسوية أطرافه وهي غير مدركة أن ما تقوم به من حركات عادية تعمل كمؤثرات محفزة لمشاعر زوجها المكبوتة. اعتدلت في وقفتها فأمرتها عقيلة وهي تشير بيدها
قال معتذرا بمجاملة مهذبة وقد أطرق رأسه قليلا
لأ كده فضل ونعمة كتر خيركم.
ثم الټفت ناظرا إلى زوجته التي بدت مغرية قبل أن يخاطبها في صوت جاهد ليجعله جادا
مش يالا بينا بقى عشان نسيب الجماعة يرتاحوا.
هزت رأسها موافقة فنهض قائما ليضيف
هستناكي تحت عقبال ما تغيري هدومك.
قالت وهي تشرع في السير
لكنها توقفت عندما اقترحت خالتها بخبث ونظرة عبثية تلمع في عينيها
مالوش لازمة تعطلي جوزك حطي عليكي العباية.
همت فردوس بقول شيء محتج يعبر عن انزعاجها من محاولة فرض وجودها عليه بهذا الشكل السافر لكنها ابتلعت الأحرف في جوفها عندما منحتها خالتها هذه النظرة المحذرة لتضطر مرغمة على إطاعتها في صمت بينما رددت والدتها في سرها بتنهيدة راجية
يتبع الفصل الثامن عشر الجزء الثاني
الفصل الثامن عشر الجزء الثاني
أوس
أثناء سيرها معه كانت ساهمة تمشي مدفوعة بتوجيهه وبشكل آلي عبر الطرقات إلى حيث يقطنان دار في رأسها عشرات الأفكار ورسمت العديد من السيناريوهات لما ستكون عليه ليلتهما بعد كل ذلك المجهود المبذول من قبل خالتها لتحلية صورتها في عينيه انتبهت فردوس لزوجها وانتفضت كالملسوعة فجأة عندما تكلم في نبرة معاتبة
سألته بحرج وهي ترمش بعينيها
هو إنت كنت بتقول حاجة
كرر عليها سؤاله مبتسما في بساطة
كنت بسألك ناقصك حاجة نجيبها في سكتنا
هزت رأسها قائلة
لأ ماظنش
عاد الصمت يخيم بينهما من جديد فسعى عوض لفتح سبل الكلام مجددا فقال بشيء من الصدق وكأنه يعبر لها عن مشاعره المتأثرة بها
بس تعرفي النهاردة كان شكلك حلو
كتر خيرك
تفهم التردد الظاهر عليها وأكد لها باهتمام متزايد
أنا مش بجاملك دي الحقيقة
على عكسه كانت متبلدة جامدة تجد صعوبة في مجاراة طريقته السلسة في البوح بما يناوش القلب فاكتفت بالصمت وتحاشت النظر ناحيته لتتطلع للأمام ممعنة النظر في الحواجز المعدنية التي تسد مقدمة الطريق هتفت متسائلة في استغراب حائر
دقق النظر هو الآخر في الناصية المزدحمة بعشرات البشر وقال
مش عارف بس أول مرة يحطوها هنا
تباطأت خطواتهما واستطالت عنق عوض محاولا تبين ما يحدث عبر الحشد الذي يملأ جنبات المكان علق مبديا تحيره
ده في زحمة ودوشة قدام
توجس قلبها خيفة من حدوث مكروه ما فرددت بتلقائية
ربنا يستر
أشار لها بيده لتتوقف قائلا بلهجة شبه آمرة
استني كده أما أسأل
استجابته له هاتفة في إيجاز
طيب
سارع عوض في خطواته بعدما تركها واقفة في مكان غير مزدحم ليستطلع بنفسه الأمر آملا ألا يكون خلف ذلك التجمهر کاړثة مفجعة
بدأ قلبها يدق بسرعة كعادته كلما ولج إلى الغرفة ارتاعت فرائصها ظنا منها أنه قد جاء لأخذ رضيعها قسرا شددت من ضمھ له ونظرت إلى مهاب بقلق معكوس بقوة على محياها ازدادت مخاوفه مع صمته المدروس فما كان منها إلا أن سألته بصوت ما زال مرتعشا
هتردني لعصمتك تاني
أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه
احتفظ مهاب بصمته وصاحبه بنظراته الغامضة وهو لا يزال يتقدم للأمام في حين تابع ممدوح كلامه قائلا
حبيت أطمن على الدكتورة
ثم وجه حديثه إليها متسائلا باهتمام
إيه الأخبار
توترت تهاني من وجوده وتضاعفت دقاتها فإن كانت مشاعرها قد انجذبت إليه بسبب لطافته ووديته معها إلا أنها لن تضحي بقطعة منها لأجل أهواء وقتية نتجت جراء الوحدة والشعور بالفراغ ارتجفت في رجفتها عندما أجاب مهاب بنبرة موحية
ماتقلقش عليها
حينئذ تكلمت من فورها وبصورة رسمية استغربها
شكرا يا دكتور ممدوح أنا كويسة
اندهش الأخير من الجفاء المريب الذي تظهره ناحيته وكأنها راحت تعيد بطواعية وضع الحواجز بينهما كان فطنا للدرجة التي جعلته يخمن انصياعها الواضح فقال مشيرا بيده
الدكتور برا قالي إن في حد جاي يسألها عن تفاصيل الحاډثة
أخبرته دون أن تفكر للحظة كما لو كان الجواب معدا بشكل مسبق
ده قضاء وقدر والحمدلله إنه اكتبلي أنا وابني عمر جديد وده اللي يهمني دلوقتي
مط فمه في إعجاب ثم حول نظراته تجاه مهاب الذي كان يحدجه بنظرته المتباهية اقترب بعدئذ منه مال ناحيته وهمس له
برافو عرفت تطلع من المشكلة دي كمان من غير خساير
هز مهاب رأسه في نشوة بدا متفاخرا بتحقيق نصرا جديدا في معركة لم يبذل فيها مجهودا استكمل ممدوح الناقص من جملته فاستطرد بسخرية محسوسة في نبرته
وبعيل كمان
صحح له بصرامة رغم خفوت صوته
اسمه أوس يا
ريت
تحفظه
تلقائيا اتجه ممدوح بنظراته القاتمة تجاه الرضيع وعلق بإيجاز غامض
أكيد
ربت مهاب على جانب ذراعه وهو شبه يطرده بوقاحة
بيتهيألي وجودك مالوش لازمة
أثار الغبار التي سادت في الأرجاء جعلت الرؤية غير واضحة مشوشة والسعال كان منتشرا بين المتواجدين حاول عوض اختراق صفوف البشر المجتمعين بكثافة ليصل إلى المقدمة التقطت أذناه عبارات مبهمة عن تواجد مكثف لعناصر الشرطة مع رجال الإسعاف وسيارات الإطفاء ما إن وصل إلى آخر نقطة كان مسموحا فيها للحضور بالوقوف حتى استطاع فهم ما حدث رأى العقار الذي يقطن به وقد انهار تماما منذ ساعات على حسب ما سمع ليخلف العديد من الضحايا العالقين أسفل أطنان من الركام الخرساني تدلى فكه للأسفل وحملق بعينين متسعتين في ړعب للأطلال المرابطة كجبل من الحجارة أمامه حلت الصدمة عليه كالصاعقة فعجز عن الكلام أو التعليق تنبه لضړبة أحدهم على كتفه وهو يخبره كنوع من المواساة
الحمدلله إنك مكونتش موجود وإلا كنت رحت مع اللي راحوا
الټفت للجانب الآخر عندما خاطبه أحد الجيران
ده في ناس اتدفنت بالحيا هنا!
أضاف ثالث من ورائه
ده إنت ربنا كتبلك النجاة
رويدا رويدا تدارك عقله ما حدث وأدرك حقا أن الدار التي كانت تأويه لم تعد موجودة اختفت مع كل ما يخص عائلته وزوجته من متعلقات شخصية وذكريات أسرية كان عوض في هذا الموقف تحديدا قليل الحيلة لا يملك زمام نفسه فما كان منه إلا أن ردد مستسلما للواقع المرير
لا حول ولا قوة إلا بالله!
هتف أحد المتواجدين من جديد
احمد ربنا إنك كنت برا
استدار تجاهه متسائلا في تخبط عظيم
ده حصل إمتى وإزاي
رد عليه الرجل وهو يحك مقدمة رأسه
محدش عارف بالظبط بس آ
قبل أن يتم جملته قاطعه صوتا صارما لأحد أفراد الشرطة ينهر به الجميع
يا جدعان ارجعوا لورا خلونا نشوف شغلنا
تراجع مع من تراجع للخلف بعيدا عما كان بيته ولسانه يردد بتحسر موجوع
لطفك يا رب هتصرف إزاي دلوقتي
نظر إليه الجيران بتعاطف وشفقة وعلق عليه أحدهم
ليه حق الراجل يكلم نفسه كان زمانه مع الأموات!
انقاد بلا وعي إلى خارج الزحام وهو مشوش الذهن تماما فاقدا لقدرته على التفكير السليم وكيف له أن يفعل وهو في وسط کاړثة عظيمة لم تكن موضوعة في الحسبان! كانت فردوس لا تزال تنتظره عند البقعة التي تركها فيها ضجرت من الوقوف بمفردها ومع ذلك لم تتجرأ لمخالفة أوامره لمحته يجتاز الحاجز وهو باهت الملامح مشتت النظرات أقبلت عليه تسأله في قلق
عرفت في إيه يا عوض
استجمع قدرا من شتاته المبرر ونظر إليها بعينين حزينتين للغاية فسألته مرة أخرى بتوجس أكبر
إيه اللي حصل
أجابها وهو بالكاد يحبس دموعه
البيت راح
بدا كلامه مبتورا منقوصا غير واضح لها لذا سألته مستفهمة
بيت إيه اللي راح!
سحب نفسا عميقا وأجابها بصوت مخټنق
العمارة وقعت كلها
انخلع قلبها بين ضلوعها وسألته في صوت أخذ في الارتعاش
عمارة مين
أجابها بحسرة تملأ كامل وجهه وهو يغالب دموعه
العمارة اللي ساكنين فيها غير الناس اللي ماتوا وآ
في التو استدارت ناظرة إلى التجمهر الموجود بالأمام وهي تكمل ولولتها المفجوعة
يادي الخړاب المستعجل
استوعبت الکاړثة التي ألمت بها فاندفعت بتهور تجاه الحاجز لكن عوض استوقفها بالإمساك بها من ذراعه ليسألها
استني رايحة فين
هتفت في قهر وهي تذرف الدموع بحړقة من عينيها
حاجتي وعفشي وهدومي
قال لها پألم
استعوضي ربنا
انتشلت ذراعها من يده وصاحت في صړاخ مفطور
يعني إيه كله راح كده في غمضة عين
حاول تهوين الأمر عليها فعلق
قولي الحمد لله إن احنا بخير
اڼفجرت تبكي پقهر أشد وافترشت الرصيف بجسدها لتبدأ في النواح والولولة عاليا
آه يا
ۏجع قلبي أنا
مش مكتوبلي أفرح وأتهنى أبدا!!!
مجددا رفعت كوب الماء إلى فمها لترتشف ما به فتبلل جوفها الجاف قبل أن تخفضه لتنخرط في نوبة بكاء جديدة مصحوبة بالندب والتحسر بعدما عادت إلى بيت أمها لتمكث فيه مؤقتا نظرت إليها والدتها بأسف وحزن ففرحتها لم تدم كثيرا بل إنها تبخرت كالسراب لتظل كعهدها تعيسة الحظ ورفيقة أصيلة للغلب والشقاء جاءت أفكار لتفقدها فلم تسلم من لسانها اللاذع الذي لم يترفق بها زادت من شعورها بالإحباط والألم بقولها السليط
أنا مشوفتش واحدة فقر كده في حياتي أكتر منك
من بين دموعها الغزيرة تأملتها فردوس تعاتبها بشيء من اللوم
خلاص يا خالتي بقى كفاية تعتيت في جتتي!
أيدتها عقيلة في كلامها قائلة بضيق
سبيها في حالها ياختي الحمدلله إنها بخير
لم تبد مثلهما متعاطفة حزينة أو حتى الهم يملأ قلبها كانت تفكر بالعقل تحسب كل خطوة وفقا المستجد من الأوضاع لهذا أبدت جمودا غريبا وهي تسأل
وهتعمل إيه بعد كده
أجابتها بتحير
الله أعلم
لم تتحمل فردوس تأنيبها القاسې وكأنها من تسببت في اڼهيار المبنى القديم فنهضت من موضعها لتتجه إلى غرفة نومها القديمة حتى تختلي بنفسها بينما زمت أفكار شفتيها مغمغمة وهي تشيعها بنفس النظرات الجامدة
ده جوزها يعتبر على باب الله لا عنده أملاك ولا أبعدية
ثم ركزت بصرها على شقيقتها وتابعت
هيدبروا حالهم إزاي هيباتوا في الشارع بقية عمرهم
لم تجد عقيلة ما ترد به عليها فواصلت شقيقتها الكبرى استرسالها المزعج
ومۏت يا حمار عقبال ما الحكومة تديهم شقة
يئست من لغوها الزائد وقالت حاسمة رأيها
خلاص يا أفكار هما هيفضلوا هنا معايا البيت فاضي عليا
تفاجأت بما قررته فجأة ودون ترتيب مسبق لتظهر رفضها لاقتراحها النزق في صيغة متسائلة
وبنتك تهاني لما ترجع تلاقي راجل غريب أعد معاكو
ردت مصححة لها
ده جوز أختها مش حد غريب
أصرت على رفضها قائلة
برضوه ده البيت أد كده وآ
كانت موقنة أنها لن تسلم من احتجاجها ونقاشها وإن استمرت طوال النهار لهذا قاطعتها منهية الجدال في هذا الموضوع
ساعتها نبقى نتصرف
كادت تنطق بشيء لكنها أسكتتها
بس مش
متابعة القراءة